حكم الاحتفال بالكريسماس القاهرة : عبدالحكيم بحيري
على عادة الشعوب المقهورة والمهزومة يشارك كثير من المسلمين ـ جهلا منهم ــ في احتفالات رأس السنة الميلادية "الكريسماس" ؛ وذلك لما تحظى به تلك الاحتفالات من صخب ودعاية وتغطية إعلامية جبارة تملكها تلك الدول صاحبة النفوذ والقوة سياسيا وعسكريا وإعلاميا في أوقاتنا الراهنة فيما تعاني الشعوب الإسلامية من ردة حضارية وثقافية وروحية فتسللت الهزيمة النفسية إلى كثير من أبنائها في ظل سيطرة كثير من الجاهلين ودعاة الفتنة على مفاتيح الإعلام في بلادنا فبتنا في ليل طويل لما تشرق شمسه بعد .
إزاء هذا الموقف العسير الذي تمر به أمة الإسلام ، لم تخل ظلمات الليل من نجوم ترشد التائهين وتبصر الباحثين عن الحقيقة ، فإذا الرؤية واضحة وإذا الطريق منيرا أمام السائرين إلى الله .
لذلك قام موقع الفقه الإسلامي بإجراء هذا التحقيق الفقهي حول حكم الاحتفال بالكريسماس من خلال أقوال أهل العلم متضمنة حكم تهنئة النصاري بأعيادهم .
في البداية توجهنا بالسؤال إلى الدكتور محمد الدسوقى أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة عن حكم الشرع في مشاركة المسلم في احتفالات "الكريسماس" فأكد أن هذه الاحتفالات تمثل لونا من ألوان الانفلات من القيم الأخلاقية بطريقة غير سليمة ، موضحاً أن الناس في هذه المناسبة يسهرون ويمارسون أنواعا من الفوضى والتهريج .
واستنكر الدسوقي مشاركة أحد من المسلمين في هذه الاحتفالات وشدد أنه لا يجوز لأحد من المسلمين المشاركة في مثل هذه الاحتفالات.
مشيرا إلى أن المسلم يتمتع بشخصية استقلالية لا تذوب في غيرها لقوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
واختتم حديثه بالتأكيد على أن المشاركة في هذه الاحتفالات مخالفة للشرع ، وما يجرى فيها منكر ينكره الدين والعرف والتقاليد.
وتوافق مع هذا الرأي الدكتور لطف الله بن عبد العظيم خوجة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة أم القرى والذي أكد في دراسة له بعنوان " أعياد الميلاد " أنه لا يجوز للمسلم المشاركة والتهنئة بعيد الميلاد ونحوه مؤكدا على حرمة ذلك ، وشدد على أن المشاركة إن كانت نابعة عن رضا بدينهم، فهذا كفر مخرج من الملة؛ إذ يقول تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
وقال خوجة في دارسته : "إن مشاركة المسلم في شعائر دين محرَّف لا يرضاه الله تعالى، أو التهنئة بها تعنى وتشير إلى الرضا بدينهم المحرَّف هذا، وقبوله، والرضا به، وهذا كله فيه معنى اعتقاد صحة هذا الدين" . مشددا على أن المشاركة أو التهنئة بهذا المعنى كفر؛ لأنه رضاء بالكفر، وتكذيب لله تعالى، مشيرا إلى أن الله تعالى أخبر ببطلان هذا الدين بالخصوص، وببطلان كل دين سوى الإسلام .
فيما أكد الدكتور محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، أن الكريسماس ليس عيدا شرعيا في الأساس فأعياد المسلمين هما الفطر والأضحى، مستنكرا ما يفعله البعض من مشاركة في تلك الاحتفالات مع ما يصاحب ذلك من رقص وخمر واجتماع في البارات والكازينوهات ، مشددا على أن هذا غير جائز يحرم على المسلم المشاركة فيه.
أما الشيخ أحمد أبو حلبية عضو المجلس الأعلى للإفتاء بالقدس والديار الفلسطينية فيقول : إن الاحتفال بعيد الميلاد باعتباره ميلاد السيد المسيح عليه السلام فنحن أولى بعيسى عليه السلام من النصارى؛ لأننا نؤمن بجميع الأنباء والمرسلين، والإيمان بهم جميعا جزء لا يتجزأ من عقيدتنا، لكن لم يرد الاحتفال بهذه المناسبة في شرعنا وديننا، كما أن يوم ميلاد المسيح عليه السلام ليس معروفا على وجه التحديد ؛ فكيف يحتفلون به؟!
أما الدكتور سفر الحوالي فيقول :إن الاحتفال بأعياد الكفار أو التهنئة بها ، إما أن يكون ذلك لمجرد موافقتهم ومجاراة لتقاليدهم وعاداتهم من غير تعظيم لشعائر دينهم ولا اعتقاد من المشارك لصحة عقائدهم (وهذا يتصور في التهنئة أكثر منه في حضور الاحتفال) وحكم هذا الفعل التحريم لما فيه من مشاركتهم ولكونه ذريعة إلى تعظيم شعائرهم وإقرار دينهم.
مستدلا بما قاله كثير من السلف في تفسير قوله تعالى {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} إن شهود الزور هو حضور أعياد المشركين. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن لكل قوم عيداً" وهذا أوضح الأدلة على الاختصاص.
وأضاف الحوالي أن المشاركة إن كانت لشهوة. كمن يحضر أعيادهم ليشاركهم في شرب الخمر والرقص واختلاط الرجال والنساء ونحو ذلك. مشددا على أن حكم هذا النوع التحريم المغلظ؛ لأن هذه الأفعال محرمة بذاتها، فإذا اقترنت بها المشاركة في شهود زورهـم كانت أعظم تحريماً.
أم الحالة الثالثة وهي أن تكون المشاركة بنية التقرب إلى الله تعالى بتعظيم ذكرى ميلاد المسيح عليه السلام لكونه رسولاً معظماً كما يحتفل بعض الناس بذكر مولد الرسول "صلى الله عليه وسلم"، فإن حكم هذا النوع أنه بدعة ضلالة، وهي أشد تحريماً وأغلظ ضلالاً من الاحتفال بمولد الرسول "صلى الله عليه وسلم"؛ لكون صاحبها يشارك من يحتفلون بذلك معتقدين أن المسيح هو الله أو ابن الله ـ تعالى الله عما يصفون ـ موضحا أن هذا مما أحدثوه في دينهم مما لم يشرعه الله تعالى ولم يفعله المسيح عليه السلام ولا غيره من الأنبياء، مبينا أن تعظيم الأنبياء إنما يكون بمحبتهم واتباع دينهم وليس بهذه الاحتفالات.
أما الحالة الرابعة وهي أن يكون الاحتفال مقروناً باعتقاد صحة دينهم، والرضى بشعائرهم وإقرار عبادتهم كما عبروا قديماً بقولهم (المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة) [مجموع الفتاوي 25/ 323] وكما يعبرون حديثاً بوحدة الأديان وأخوة الرسالات، وهو من شعارات الماسونية وأشباهها. فإن حكم هذا النوع كفر مخرج من الملة. قال تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .